الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
قال: ولو تظاهر من أربع نسائه بكلمة واحدة, لم يكن عليه أكثر من كفارة وجملته أنه إذا ظاهر من نسائه الأربع بلفظ واحد فقال: أنتن علي كظهر أمي فليس عليه أكثر من كفارة بغير خلاف في المذهب وهو قول على وعمر وعروة, وطاوس وعطاء وربيعة, ومالك والأوزاعي وإسحاق, وأبي ثور والشافعي في القديم وقال الحسن والنخعي والزهري, ويحيى الأنصاري والحكم والثوري, وأصحاب الرأي والشافعي في الجديد: عليه لكل امرأة كفارة لأنه وجد الظهار والعود في حق كل امرأة منهن, فوجب عليه عن كل واحدة كفارة كما لو أفردها به ولنا عموم قول عمر وعلي رضي الله عنهما رواه عنهما الأثرم, ولا نعرف لهما في الصحابة مخالفا فكان إجماعا ولأن الظهار كلمة تجب بمخالفتها الكفارة, فإذا وجدت في جماعة أوجبت كفارة واحدة كاليمين بالله تعالى وفارق ما إذا ظاهر بكلمات فإن كل كلمة تقتضي كفارة ترفعها وتكفر إثمها وهاهنا الكلمة واحدة, فالكفارة الواحدة ترفع حكمها وتمحوا إثمها فلا يبقى لها حكم. ومفهوم كلام الخرقي, أنه إذا ظاهر منهن بكلمات فقال لكل واحدة: أنت علي كظهر أمي فإن لكل يمين كفارة وهذا قول عروة وعطاء قال أبو عبد الله بن حامد: المذهب رواية واحدة في هذا قال القاضي: المذهب عندي ما ذكر الشيخ أبو عبد الله وقال أبو بكر: فيه رواية أخرى, أنه يجزئه كفارة واحدة واختار ذلك وقال: هذا الذي قلناه اتباعا لعمر بن الخطاب والحسن, وعطاء وإبراهيم وربيعة, وقبيصة وإسحاق لأن كفارة الظهار حق لله تعالى فلم تتكرر بتكرر سببها, كالحد وعليه يخرج الطلاق ولنا أنها أيمان متكررة على أعيان متفرقة فكان لكل واحدة كفارة, كما لو كفر ثم ظاهر ولأنها أيمان لا يحنث في إحداها بالحنث في الأخرى فلا تكفرها كفارة واحدة, كالأصل ولأن الظهار معني يوجب الكفارة فتتعدد الكفارة بتعدده في المحال المختلفة, كالقتل ويفارق الحد فإنه عقوبة تدرأ بالشبهات فأما إن ظاهر من زوجته مرارا ولم يكفر, فكفارة واحدة لأن الحنث واحد فوجبت كفارة واحدة كما لو كانت اليمين واحدة. إذا ظاهر من امرأة, ثم قال لأخرى: أشركتك معها أو أنت شريكتها أو كهي ونوى المظاهرة من الثانية, صار مظاهرا منها بغير خلاف علمناه وبه يقول مالك والشافعي وإن أطلق صار مظاهرا أيضا إذا كان عقيب مظاهرته من الأولى, ذكره أبو بكر وبه قال مالك قال أبو الخطاب: ويحتمل أن لا يكون مظاهرا وبه قال الشافعي لأنه ليس بصريح في الظهار ولا نوى به الظهار فلم يكن ظهارا كما لو قال ذلك قبل أن يظاهر من الأولى, ولأنه يحتمل أنها شريكتها في دينها أو في الخصومة أو في النكاح, أو سوء الخلق فلم تخصص بالظهار إلا بالنية كسائر الكنايات ولنا, أن الشركة والتشبيه لا بد أن يكون في شيء فوجب تعليقه بالمذكور معه كجواب السؤال فيما إذا قيل له: ألك امرأة؟ فقال: قد طلقتها وكالعطف مع المعطوف عليه, والصفة مع الموصوف وقولهم: إنه كناية لم ينو بها الظهار قلنا: قد وجد دليل النية فيكتفي بها وقولهم: إنه يحتمل قلنا: ما ذكرنا من القرينة يزيل الاحتمال وإن بقي احتمال ما كان مرجوحا, فلا يلتفت إليه كالاحتمال في اللفظ الصريح. قال: [والكفارة عتق رقبة مؤمنة سالمة من العيوب المضرة بالعمل] في هذه المسألة: ثلاث مسائل المسألة: الأولى: أن كفارة المظاهر القادر على الإعتاق عتق رقبة, لا يجزئه غير ذلك بغير خلاف علمناه بين أهل العلم والأصل في ذلك قول الله تعالى: الثالثة: أنه لا يجزئه إلا رقبة سالمة من العيوب المضرة بالعمل ضررا بينا لأن المقصود تمليك العبد منافعه, ويمكنه من التصرف لنفسه ولا يحصل هذا مع ما يضر بالعمل ضررا بينا فلا يجزئ الأعمى لأنه لا يمكنه العمل في أكثر الصنائع, ولا المقعد ولا المقطوع اليدين أو الرجلين لأن اليدين آلة البطش فلا يمكنه العمل مع فقدهما, والرجلان آلة المشي فلا يتهيأ له كثير من العمل مع تلفهما والشلل كالقطع في هذا ولا يجزئ المجنون جنونا مطبقا لأنه وجد فيه المعنيان, ذهاب منفعة الجنس وحصول الضرر بالعمل وبهذا كله قال مالك والشافعي, وأبو ثور وأصحاب الرأي وحكي عن داود أنه جوز عتق كل رقبة يقع عليها الاسم, أخذا بإطلاق اللفظ ولنا أن هذا نوع كفارة فلم يجزئ ما يقع عليه الاسم كالإطعام فإنه لا يجزئ أن يطعم مسوسا ولا عفنا وإن كان يسمى طعاما والآية مقيدة بما ذكرناه. ولا يجزئ مقطوع اليد, أو الرجل ولا أشلها ولا مقطوع إبهام اليد, أو سبابتها أو الوسطى لأن نفع اليد يذهب بذهاب هؤلاء ولا يجزئ مقطوع الخنصر والبنصر من يد واحدة لأن نفع اليدين يزول أكثره بذلك وإن قطعت كل واحدة من يد جاز لأن نفع الكفين باق, وقطع أنملة الإبهام كقطع جميعها فإن نفعها يذهب بذلك لكونها أنملتين وإن كان من غير الإبهام لم يمنع لأن منفعتها لا تذهب فإنها تصير كالأصابع القصار حتى لو كانت أصابعه كلها غير الإبهام قد قطعت من كل واحدة منها أنملة, لم يمنع وإن قطع من الإصبع أنملتان فهو كقطعها لأنه يذهب بمنفعتها وهذا جميعه مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة: يجزئ مقطوع إحدى اليدين أو إحدى الرجلين ولو قطعت يده ورجله جميعا من خلاف أجزأت لأن منفعة الجنس باقية, فأجزأت في الكفارة كالأعور فأما إن قطعتا من وفاق, أي من جانب واحد لم يجزئ لأن منفعة الشيء تذهب ولنا أن هذا يؤثر في العمل ويضر ضررا بينا, فوجب أن يمنع إجزاءها كما لو قطعتا من وفاق ويخالف العور فإنه لا يضر ضررا بينا والاعتبار بالضرر أولى من الاعتبار بمنفعة الجنس فإنه لو ذهب شمه أو قطعت أذناه معا, أجزأ مع ذهاب منفعة الجنس ولا يجزئ الأعرج إذا كان عرجا كثيرا فاحشا لأنه يضر بالعمل فهو كقطع الرجل وإن كان عرجا يسيرا, لم يمنع الإجزاء لأنه قليل الضرر. ويجزئ الأعور في قولهم جميعا وقال أبو بكر: فيه قول آخر لا يجزئ لأنه نقص يمنع التضحية والإجزاء في الهدي فأشبه العمى والصحيح ما ذكرناه فإن المقصود تكميل الأحكام, وتمليك العبد المنافع والعور لا يمنع ذلك ولأنه لا يضر بالعمل, فأشبه قطع إحدى الأذنين ويفارق العمى فإنه يضر بالعمل ضررا بينا ويمنع كثيرا من الصنائع ويذهب بمنفعة الجنس ويفارق قطع إحدى اليدين والرجلين فإنه لا يعمل بإحداهما ما يعمل بهما, والأعور يدرك بإحدى العينين ما يدرك بهما وأما الأضحية والهدي فإنه لا يمنع منهما مجرد العور وإنما يمنع انخساف العين, وذهاب العضو المستطاب ولأن الأضحية يمنع فيها قطع الأذن والقرن والعتق لا يمنع فيه إلا ما يضر بالعمل ويجزئ المقطوع الأذنين وبذلك قال أبو حنيفة, والشافعي وقال مالك وزفر: لا يجزئ لأنهما عضوان فيهما الدية أشبها اليدين ولنا, أن قطعهما لا يضر بالعمل الضرر البين فلم يمنع كنقص السمع, بخلاف قطع اليدين ويجزئ مقطوع الأنف كذلك ويجزئ الأصم إذا فهم بالإشارة ويجزئ الأخرس إذا فهمت إشارته وفهم بالإشارة وهذا مذهب الشافعي وأبي ثور وقال أصحاب الرأي: لا يجزئ لأن منفعة الجنس ذاهبة فأشبه زائل العقل وهذا المنصوص عليه عن أحمد لأن الخرس نقص كثير, يمنع كثيرا من الأحكام مثل القضاء والشهادة, وأكثر الناس لا يفهم إشارته فيتضرر في ترك استعماله وإن اجتمع الخرس والصمم فقال القاضي: لا يجزئ وهو قول بعض الشافعية لاجتماع النقصين فيه, وذهاب منفعتي الجنس ووجه الإجزاء أن الإشارة تقوم مقام الكلام في الإفهام ويثبت في حقه أكثر الأحكام فيجزئ في العتق, كالذي ذهب شمه فأما الذي ذهب شمه فيجزئ لأنه لا يضر بالعمل ولا بغيره فأما المريض فإن كان مرجو البرء كالحمى وما أشبهها أجزأ في الكفارة وإن كان غير مرجو الزوال, كالسل ونحوه لم يجزئ لأن زواله يندر, ولا يتمكن من العمل مع بقائه وأما نضو الخلق فإن كان يتمكن معه من العمل أجزأ وإلا فلا ويجزئ الأحمق, وهو الذي يخطئ على بصيرة ويصنع الأشياء لغير فائدة ويرى الخطأ صوابا, ومن يخنق في الأحيان والخصي والمجبوب, والرتقاء والكبير الذي يقدر على العمل لأن ما لا يضر بالعمل لا يمنع تمليك العبد منافعه, وتكميل أحكامه فيحصل الإجزاء به كالسالم من العيوب. ويجزئ عتق الجاني والمرهون وعتق المفلس عبده, إذا قلنا بصحة عتقهم وعتق المدبر والخصي, وولد الزنا لكمال العتق فيهم. ولا يجزئ عتق المغصوب لأنه لا يقدر على تمكينه من منافعه ولا غائب غيبة منقطعة لا يعلم خبره لأنه لا يعلم حياته فلا يعلم صحة عتقه وإن لم ينقطع خبره, أجزأ عتقه لأنه عتق صحيح ولا يجزئ عتق الحمل لأنه لم تثبت له أحكام الدنيا ولذلك لم تجب فطرته ولا يتيقن أيضا وجوده, وحياته ولا عتق أم الولد لأن عتقها مستحق بسبب غير الكفارة والملك فيها غير كامل, ولهذا لا يجوز بيعها وقال طاوس والبتي: يجزئ عتقها لأنه عتق صحيح ولا يجزئ عتق مكاتب أدى من كتابته شيئا وسنذكر هذا في الكفارات -إن شاء الله تعالى-. قال: لم يجد رقبة أن فرضه صيام شهرين متتابعين وذلك لقول الله تعالى: فإن كان موسرا حين وجوب الكفارة إلا أن ماله غائب, فإن كان مرجو الحضور قريبا لم يجز الانتقال إلى الصيام لأن ذلك بمنزلة الانتظار لشراء الرقبة وإن كان بعيدا, لم يجز الانتقال إلى الصيام في غير كفارة الظهار لأنه لا ضرر في الانتظار وهل يجوز ذلك في كفارة الظهار؟ فيه وجهان: أحدهما لا يجوز لوجود الأصل في ماله فأشبه سائر الكفارات والثاني, يجوز لأنه يحرم عليه المسيس فجاز له الانتقال لموضع الحاجة فإن قيل: فلو عدم الماء وثمنه جاز له الانتقال إلى التيمم وإن كان قادرا عليهما في بلده قلنا: الطهارة تجب لأجل الصلاة, وليس له تأخيرها عن وقتها فدعت الحاجة إلى الانتقال بخلاف مسألتنا, ولأننا لو منعناه من التيمم لوجود القدرة في بلده بطلت رخصة التيمم فإن كل أحد يقدر على ذلك. إن وجد ثمن الرقبة, ولم يجد رقبة يشتريها فله الانتقال إلى الصيام كما لو وجد ثمن الماء ولم يجد ما يشتريه وإن وجد رقبة تباع بزيادة على ثمن المثل تجحف بماله, لم يلزمه شراؤها لأن فيه ضررا وإن كانت لا تجحف بماله احتمل وجهين: أحدهما, يلزمه لأنه قادر على الرقبة بثمن يقدر عليه لا يجحف به فأشبه ما لو بيعت بثمن مثلها والثاني, لا يلزمه لأنه لم يجد رقبة بثمن مثلها أشبه العادم وأصل الوجهين العادم للماء إذا وجده بزيادة على ثمن مثله, فإن وجد رقبته بثمن مثلها إلا أنها رقبة رفيعة يمكن أن يشتري بثمنها رقابا من غير جنسها, لزمه شراؤها لأنها بثمن مثلها ولا يعد شراؤها بذلك الثمن ضررا وإنما الضرر في إعتاقها, وذلك لا يمنع الوجوب كما لو كان مالكا لها.
|